المحنة كان محاولة من الخليفة العباسى المأمون فى عام 218 هجرى/833 الحقبة المعتادة لفرض آرائه الفلسفية حول المواضيع. وكان يتلخص فى سؤال وإختبار أشخاصا بعينهم، فيما يرونه من وجهة نظرهم، حول ما إذا كان القرآن مخلوقا أم لا. كل الطوائف أجابت أن القرآن هو الكلمة التى لم تمسها شائبة منسوبة الى الله العلي، بما يعنى أن القرآن كلام الله ولم يخلق. و كانت المسألة هل القرآن مخلوق (هذا هو موقف و رأى المأمون) أم أن القرآن هو كلام الله. وكان هذا الجواب الأخير لايخلو من العواقب من قبل المحققين واتخذت ذرائع ضد من رفض الزعم بخلق القرآن، بما فيها الفصل من الوظيفة العمومية، والسجن، وحتى الجلد. واستمرت المحنة بعد وفاة المأمون وفى عهد خلفه المعتصم والواثق وانتهت عام 861 م بوصول حفيد المأمون، المتوكل.
الغموض وراء المحنة
وقد عدت المحنة حدثا محيرا , فى التاريخ الإسلامى , و بخاصة أنها بدأت فى العهد, الذى أعتبر , وكان ذو سمعة إنفتاحية للعقل , و طغيان العقلانية ,عهد الخليفة المأمون . وإن كان من المعتقد على نطاق واسع الى ان المأمون بادر بإبراز هذا الأمر تحت تأثير شديد الإرتباط بالمعتزلة إن دراسة متأنية للأحداث التاريخية, تساعد فى تكشف أكثرالدوافع تعقيدا وراء الحدث. نواس (1994, 1996) درس التفسيرات المقترحة لدوافع المأمون للمحنة وخلص إلى أن المحنة كانت فى الغالب محاولة من المأمون لتأمين كامل السيطرة من جانب الخلافة فوق المؤسسة الدينية كما فعلت بسيطرتها على السلطة العلمانية , وتلك هى النقاط الرئيسية لتلافى تأكيد أثر المعتزلة:
(1) إن المذهب القائل بخلق القرآن ليس على سبيل الحصر معتزلى. إن الإسلام الشيعى على العموم كانوا يعتنقونه, قبل المعتزلة بوقت طويل . أيضا فإن الجهمية إعتقدوا به إضافة إلى أنهم بالتالي لجأو إلى الدفاع عن حقوق المعتزلة الحرة، وكان ذلك على طرفي نقيض .
(2) شملت محكمة المأمون بعضا من المعتزلة ولكن أيضا بعضا من المناوئين لهم والمفكرين والبحاث مثل بشر-المريسي , و هو جهمي. و لم يكن أيا من المعتزلة يشارك بصورة مباشرة في الإستجواب عدا أحمد بن أبى داوود الذى حسب مصادر المعتزلة لم يظهر كونه مساهما فى النظام المذهبى لمدرسة المعتزلة.
(3) شملت محكمة المأمون علماء عدوا من "أهل السنة والجماعة " — و هو إصطلاح يستخدم للتعريف بالمسلمون ذوى المعتقد التقليدى و فيما بعد فإن عالما من مسلمى الإسلام السنة أمثال يحيى بن أختم الذي حث المأمون بالعدول عن إجازة زواج المتعة (زواج المتعة) وعن لعن الخليفة معاوية رضى الله عنه, أول خليفة أموى, على المنابر سواء الأعمال التي ترتبط بقوة بالشيعة. وفي الحالة الأخيرة ، وتفيد التقارير أن يحيى قد أقنع المأمون عن طريق التأكيد على أنه ، بوصفه خليفة ، ينبغي أن يكون فوق المذاهب والمدارس.
(4) أظهر المأمون نفسه, أنه فى حال وضعت الدلائل التاريخية فى الإعتبار, ليكون انتقائي في معتقداته. فإن بعض المعتزلة قد إتهموه بالإعتقاد فى القدر المحتم غير المشروط. و هى حجة من التى يقول بها الجهمية (Cooperson, 2005).
(5) مثل أعضاء مختلف المدارس, فإن علماء المعتزلة قد قسموا إلى فريقين: فريق مساهم في النظام السياسي (للمساعدة في الإصلاح أو الحد من الشرور ، ناهيك عن المصالح الشخصية) ، وفريق قائم على رفض الظلم ورفض اضفاء الشرعية على النظام السياسي الفاسد. دائرة العمل (2006) ويدعو فريق فرعي ضمن المجموعة الأخيرة "المعتزلة الصوفية" الذين " رفضوا ليس فقط الدولة كحكومة مركزية , و لكن أيضا رفضوا العالم — بما تعنيه, التجارة أو أى نوع من النشاط المدر للمال والربح ."
(6) في رسائله إلى والى بغداد من أجل الشروع في أمر المحنة ، عمد المأمون مقدما نفسه نفسه بوصفه ممثل الله على الأرض ، ورثة نبى الإسلام, و القيم والحارس للمعتقد الإسلامى . هذا لا يعني أن المأمون قد إعتبر نفسه حائزا على السلطة التشريعية التى تحل محل المصادر الروحية الإسلامية. Nawas (1994) و ذكرإأنه لا يوجد أي سجل أو تقرير يشبر الى أن المأمون وضع نفسه فوق القرآن , وجميع الآيات قرآنية التى إستشهد بها فى أمر المحنة كان قد فسرها بمنطق غريب مع إلتزامه بالنص . بالإضافة الى أنه, ليس بالضرورة ان يكون المأمون قد أراد أمرا سيكون وحده الذى يحدد العقيدة الإسلامية الصحيحة. Hurvitz (2001) وتقول بأن المأمون كان يفكر في طبقة النخبة من العلماء والمفكرين ، وبرئاسته ، لتحديد المعتقدات الإسلامية.
النقاط المذكورة أعلاه مجتمعة تثبت أن المعتزلة لم يكونواهم المهيمنون خلال المحنة ، كما هى عقيدة الدولة الرسمية . فإذا كانت المحنة لدى مأمون تعبر عن محاولتة لاثبات سيطرته على السلطة الدينية والقانونية على المدى الفقهي والثقافى ، وخاصة التحدي لدى الظرف التقليدية والتقليديين.
«اتكأ المعتزلة على قوله تعالى “ليس كمثله شيء” في نفي صفات الله عز و جل , فقولنا أن له سمعاً يعني مشابهة سمعه لسمع المخلوقين و هكذا في بقية الصفات . . مع أن الله تعالى يقول”ليس كمثله شيء و هو السميع البصير” . .!
و بناء على ذلك . . فقولنا أن القرآن كلام الله و ليس مخلوقاً . فإننا نُشبه كلام الله بكلام المخلوقين . .
بداية الفتنة كانت مع المأمون , الذي أمر بحمل كل من لا يقول أن القرآن مخلوق , فحُمل إليه محمد بن نوح و أحمد بن حنبل , مات محمد بن نوح في الطريق , و جاء الخبر في الطريق أيضاً أن المأمون مات . .
لكن المأمون أوصى المعتصم بعدة وصايا منها , أن يسير على هذا الأمر , فحمل الإمام أحمد إلى المعتصم , و هناك جرت له مناظرات مع رجال المعتصم , فلما أعجزهم أمر المعتصم بجلد الإمام أحمد . .و طريقة الجلد أن يأتي بجلاديين , يضرب الواحد منهم الإمام أحمد ضربتين أشد ما يكون , ثم يأتي الثاني و هكذا . . و بين كل ضربة و أخرى يقول المعتصم للجلاد : شُد . . قطع الله يدك . .! و حيث أن الإمام أحمد لم يكن معتاداً على الجلد , فلم يضع يديه في في الموضع الصحيح على الخشبة , فنخلعت يداه . .
و قت الجلد كان في مثل هذه الأيام , في شهر رمضان في فصل الصيف , لما جلد الإمام أحمد أغمي عليه فحمل إلى السجن , لما أفاق أحضروا له ماءً و ثلجاً ليفطر عليه فهم أن يفطر لكن أبى , مع العلم أن أحدهم قال : هل تعلم ماذا فعلنا بك لما أغشي عليك ؟ قال الإمام أحمد : لا , قال : دُسناك بأقدامنا (تأمل . .!)
تكرر الجلد مراراً , و الإمام أحمد صابر فأدركت المعتصم رقةٌ , لكن أحمد بن أبي دواد الوزير قال : لا عليك , هو مشرك ضال . .!
استمرت المحنة إلى توفي المعتصم و جاء الواثق , لم يجلد الإمام أحمد , لكن ضيق عليه و أمر ألا يساكن في بلدة الواثق فيها , فاختفى الإمام أحمد حتى توفي الواثق . .
كلف تبني الدولة العباسية قضية خلق القرآن الكثير , فكم عزل من قاض بسببها ؟ و كم حبس من محدث جراءها ؟ حتى كان البعض يشي إلى الدولة بأن فلان يقول القرآن ليس مخلوقاً . . أدى ذلك إلى توتر العلاقة بين الدولة و جمهور العلماء من محدثين و فقهاء و مفسرين و من ورائهم أكثر الأمة . .
إلى جاء المتوكل , و رفعت المحنة و أكرم الأمام أحمد . .عادت الأمور إلى ماكانت عليه قبل . .
و هنا تستوقفنا أمور , المعتزلة يدعون أنهم أرباب العقل , فكيف يرون أن بالعنف يُدار الحوار الفكري ؟ أيضا خلق القرآن , قضية لم يطرحها النبي عليه الصلاة و السلام و لا صحابته و لا التابعين , فكيف تُجعل قضية يحاكم دين المرء بسببها ..؟
لكن كما قيل : يقضى على المرء في أيام محنته . . . حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
»
محنة الامام احمد في مسالة خلق القران
عاش الامام احمد في عصر المامون ثم المعتصم ثم الواثق ثم المتوكل. وفي هذه العصور.كانت صولة المعتزلة وجولتهم في اعلى ذروتها لا سيما في عصر المامون. وكان المامون تلميذا لابي هذيل العلام من رؤساء المعتزلة.فافتتن بالفلسفة اليونانية.واستغل هذه الصلة احمد بن ابي ذؤاد المعتزلي المتعصب و راح يكلم المامون و يتودد اليه حتى عينه وزيرا خاصا له ومستشارا. اما الامام احمد فقد كان بعيدا عن الفلسفة وعن الاعتزال وفي هذه الثناء قال المعتزلة بخلف القران اي ان القران حادث مخلوق وليس كلام الله الازلي القديم وتبنى المامون هذا القول.وفي سنة 218 هجرية ارسل كتابا الى نائبه في بغداد وهو اسحاق ابن ابراهيم يوصح فيه هذا القول مدعوما بالحجة العلمية المفصلة على زعمهم.و الواضح ان هذا لم يكن من كلام المامون ولكن من كلام وزيره خاصة والمعتزلة عامة.وامر المامون اسحاق ان يجمع كل العلماء ويقنعهم بان القران مخلوق وامره ان يقطع رزق وجراية كل من لم يقتنع بهذا.امتثل اسحاق بادئ ذي بدء لهذا الامر فجمع كل العلماء من اهل السنة وهددهم بقطع ارزاقهم ومنع الجراية عنهم ان هم لم يقتنعوا.وارسل الى المامون باجوبة هؤلاء التي تتضمن رفض هذا القول.فارسل المامون ثانية امرا بقطع ارزاق من لم يقتنع و ارساله اليه مقيدا بالاغلال تحت تهديد القتل.وكان الامام احمد من بين الثلة التي رفضت ان تقتنع ولم تتراجع.فقبدوا جميعا بالاغلال وذهب بهم الى طرطوس وفي الطريق تراجع البعض خوفا ومات البعض الاخر ولم يبقى الا احمد الذي جاءه خادم المامون وقال له.ان المامون اقسم على قتلك ان لم تجبه.ولكن احمد رفض التراجع عن الحق وبينما هو في الطريق لا يفصله عن المامون الا ساعات من السير. اذ جثى على ركبتيه ورمق بطرفه الى السماء ودعا بهذه الكلمات . سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرا على اوليائك بالضرب و القتل.اللهم فان يكن القران كلامك غير مخلوق فالقنا مؤنته.توفي المامون قبل ان بصل احمد الى طرطوس فاعيد الامام احمد واودع السجن ريثما تستقر الامور.وجاء بعد ذلك المعتصم ولكن المامون كان قبيل موته قد اوصى اخاه ان يقرب ابن ابي ذؤاد المعتزلي منه.لذلك لما استقر الامر للمعتصم استدعى الامام احمد وهو مثقل بالحديد وكان عنده ثلة من المعتزلة على راسهم ابن ابي ذؤاد الذي كان يضمر كيدا شديدا لاحمد.وساله.ما تقول في خلق القران.قال.اقول انه كلام الله قال.اقديم ام حادث.قال.ما تقول في علم الله.فسكت ابن ابي ذؤاد.قال احمد القران من علم الله ومن قال ان علم الله حادث فقد كفر.وطلب المعتصم ان يناقشوه وكاد ان يقتنع بقول احمد ولكن قال له المعتزلة وابن ابي ذؤاد انه لضال مبتدع.عرض المعتصم على الامام احمد ان يرجع عما يقول مغريا اياه بالمال والعطايا ولكن الامام احمد قال له ارني شيئا من كتاب الله اعتمد عليه (اي اعطني دليلا على ما تزعم من كتاب الله تعالى ). وحذر المعتزلة المعتصم ان هو اطلق سراحه ان يقال ان هذا الرجل تغلب على خليفتين اثنين فسيق احمد الى الضرب و التعذيب.وكان يضرب ضربا مبرحا حتى يغشى عليه ثم ياتون به في اليوم المقبل.وبرغم ذلك اقبل احمد على الناس في السجن يعلمهم ويهديهم. امر ابن ابي ذؤاد بنقله الى سجن خاص حيث ضاعفوا له القيود والاغلال و اقاموا عليه سجانين غلاظ شداد.وكم سالت دماؤه الزكية وكم اهين وهو رغم هذا كله يرفض ان يذعن لغير قول الحق ولو كلفه ذلك حياته.وبعد مرور عامين ونصف على هذه المعانات وهذه المحنة.اوشكت الثورة ان تشتعل في بغداد نقمة على الخليفة المعتصم وابن ابي ذؤاد.فقد وقف الفقهاء على باب المعتصم يصرخون ايضرب سيدنا.ايضرب سيدنا.ايضرب سيدنا.فلم يجد المعتصم بدا من اطلاق سراحه واعيد الى بيته يعالج جراحه.ولما سئل عن المعتصم دعا له بالرحمة وان يعفو الله تعالى عنه وقال انه يستحيي ان ياتي يوم القيامة وله حق على احد.ثم تولى الواثق الحكم و حاول ابن ابي ذؤاد اقناعه بموضوع خلق القران ولكن خشي الفتنة. اما المتوكل فكان من اهل السنة وحاول ان يكرم الامام احمد وان يصله ولكنه رفض شاكرا ولقد ندم المعتصم على ما وقع منه وكان يرسل كل يوم من يطمئن على حاله.بينما ابتلي ابن ابي ذؤاد بالفالج الذي اقعده اربع سنوات واسترد منه المتوكل كل امواله التي تعد بالملايين.وكان الامام احمد يصلي من الليل قبل ضربه 300 ركعة وبعد مرضه الشديد صار يصلي 150 ركعة