يجنوب غرب الجزائر،وبالتحديد في منطقة توات (أدرار)، ولد العلامة الشيخ سيدي عبد الله بن لكبير، ببلدة لغمارة (قرية من قرى بودة الواقعة غرب مدينةأدرار على بعد 25 كلم) خلال عام 1330هـ الموافق 1911م.
نسبه:ولد رحمة الله عليه من أسرة شريفة القدر مشهورةبالكرم والعلم، تنحدر من سلالة ثالث الخلفاء الراشدين، سيدِنا عثمان بنعفان رضي الله عنه. نشأته:نشأ شيخنا رحمه الله تعالى في أحضانالعائلة العلمية، حيث كان أبوه رحمه الله من حملة كتاب الله، المشهود لهمبالخير والبركة، وكان عمه إماما ومعلما بمسجد القرية، وكان خاله سيدي بن المهدي فقيها وصوفيا من أعيان عصره بقصر (بني لو) ببودة أيضا.فحفظ القرآن الكريم -أولا- على يد الطالبعبد الله المعلّم بمسجد لغمارة. وعلى يد عمه الإمام أخذ المبادئ الأولية فيعلوم الشريعة، من متون الفقه والنحو والعقيدة في سن مبكرة.وقد كان لهؤلاء الفضلاء الاثر الكبير فيتنشئته المتميزة، وتربيته الكريمة، وإعداده للصبر والمثابرة في طلب العلم،مما هيأه لتحمّل الغربة ومفارقة الاهل في سبيل التعلم. رحلته لطلب العلم:وبعد مناهزة البلوغ، انتقل بهوالده سيدي عبد الله رحمه الله إلى عاصمة العلم في توات آنذاك (تمنطيط) للتعلم على يد العلامة الشيخ سيدي أحمد ديدي عالم وقته ومصباح زمانه رضيالله عنه، حيث مكث عنده سنوات، تلقى فيها ما قدر له من العلوم الشرعيةوالعربية، من توحيد وفقه وحديث وتصوف وتفسير وآداب ونحو وعلوم اللغة.وأثناء هذه المرحلة اتصل خلالها بعلماءوقضاة المنطقة، مثل سيدي عبد الكريم الفقيه البلبالي بــبني تامر والشيخ بوعلام بمولوكة، والشيخ بن عبد الكريم البكري . الرحلةإلى تلمسان:ثماستأذن شيخه في الذهاب إلى شيخ الطريقة الكرزازية (الموسوية الشاذلية نسبةللشيخ سيدي احمد بن موسى رحمه الله) القاطن آنذاك في تلمسان الشيخ سيدي بوفلجة بن عبد الرحمن رحمه الله، وأخذ عنه الأوراد الخاصة بالطريقة وتدارس معه مسائل في مختصر الشيخ خليل. واتصل حينها بعلماء تلمسان، وزار جامع القرويين بفاس واتصل بعلمائه. الاشتغال بالتعليم: وبعد تلك المرحلة اشتغل رحمه الله بالتدريس بناحية العريشة (غرب الجزائر)، ثم المشرية يحفّظ القرآن الكريم ويدرس الفقه والتوحيد.. وفي أواخر الأربعينيات عاد إلى مسقط رأسه ببودة بطلب من والده، بعدها دعي إلى بلدة تيميمون، وفتح مدرسة بتمويل من بعض المحسنين، ساهم خلالها في نشر الثقافة الإسلامية من تعليم كتاب الله، وتدريس العلوم الشرعية، والمساهمة في التقليل من ظاهرة الأمية المنتشرة آنذاك في أوساط الشعب الجزائري، بفعل السياسة الثقافية التي اتبعها الاستعمار الفرنسي لطمس مقومات الشخصية الجزائرية وثوابتها. إنشاؤه لمدرسته بأدرار: ثم دُعي بعدها إلى مدينة أدرار، وأنشأ مدرسة، وتولىّ الخطابة والإمامة والتدريس بالجامع الكبير. وحرص على توسيع المدرسة سنة بعد سنة، مع إقامة الطلبة والتكفل بهم على نفقته وتبرعات المحسنين. واستطاع أن يتجنب غضب المستعمر الفرنسي على المدرسة وما تقوم به ظاهريا من تعليم صرف، وإخفاء دورها الديني والنضالي في مجال محاربة الكفار وعدم موالاتهم. ومنذ إنشائها سنة 1949م استقطبت مدرسة الشيخ سيدي محمد بلكبير، الطلبة من داخل الوطن الجزائري وخارجه، خاصة من ليبيا وتونس ومالي والنيجر وموريتانيا، ومنها درس وتخرج الكثير من المشائخ والطلبة، الذين حملوا مشعل العلم بعده، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: - الشيخ الحاج سالم بن ابراهيم (الإمام الخطيب بالجامع الكبير وعضو المجلس الإسلامي الأعلى) - والشيخ سيدي الحاج حسان الانزجميري - والشيخ الحاج عبد القادر بكراوي، الذي توفى رحمه الله. - وابن عمه الشيخ عبد الكبير بلكبير. - وصهره الشيخ عبد الله عزيزي. - والشيخ الحاج احمد المغيلي. - والشيخ مولاي التهامي غيتاوي (عضو المجلس الاسمي الأعلى)، - والشيخ الحاج عبد الكريم الدباغي. وغيرهم كثير.. وفي مدرسة الشيخ تأسس المعهد الإسلامي سنة 1964م بأدرار، وطيلة تلك السنوات كان رحمه الله تعالى يضرب أروع الأمثلة في القيام بالواجب ونكران الذات، والإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، فكان بحق (أُمَّـة) لما اجتمعت فيه من خصال الخير الجامعة، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، ويمكن حصر أهم وظائفه خلال عمره المبارك باعتباره شيخ مدرسة في الأتي: - امام الصلوات الخمس - خطيب الجمعة - القيام بالدروس في المسجد والمجلس - يأم الناس بتراويح شهر رمضان - قراءة صحيح البخاري في نهار رمضان - إصلاح ذات البين.. - استقبال الضيوف وإطعام الطعام، وإيواء الغرباء.. - قراءة الحزب الراتب والختمات الأسبوعية - القيام بالدروس الليلية في رمضان - إحياء المناسبات الدينية والوطنية - الإشراف على تسيير أمور المدرسة والمسجد..الخ ورغم تقدم سِنه، واعتلال جسمه في أواخر عمره، ظل حاميا للصرح الذي بناه على تقوى من الله، مدرسة كانت تعد بحق: * منارة للعلم والاعتدال والتسامح. * ومنبع نشر المذهب المالكي والعقيدة الصحيحة الخالية من التجسيم والتشبيه مذهب عامة جمهور علماء أهل السنة والجماعة، والتصوف السني البعيد عن التواكل والطمع والشطحات والشعوذة والجري وراء حطام الدنيا. * وحصنا تكسرت عليه سهام البدعة الطائشة وخوارج العصر. وقد تحصل رحمه الله على الدكتوراه الفخرية من جامعة وهران. ونال عام 1999م وسام الاستحقاق من فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة.
وفاته رضي الله عنه: وبعد عمر مبارك.. قضاه في الخير ونشر العلم والفضائل، لم يكن –خلاله- ليشفي غلة نفسه إلا أن يخدم الدين والعباد.. كان –خلاله- في عمله الدائب كأنما يستشعر دائما أنه لم يخلق لنفسه وإنما للإسلام.. وافته المنية صبيحة يوم الجمعة 16 جمادي الثاني سنة 1421هـ الموافق 15 سبتمبر 2000م. وصلى عليه نجله سيدي الحاج عبد الله، وبحضور فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، وقد ألقى كلمة تأبين يومها تلميذه الأكبر الشيخ الحاج سالم بن ابراهيم، كما حضر الجنازة نجله الثاني سيدي أحمد، وأحبابه وتلامذته الذين جاءوا من كل صوب، وأتوا ومن كل فج عميق، ليشهدوا جنازته، في يوم مهيب، موقف عصيب، وحشد عظيم غص بهم المسجد الجامع والشوارع المتصلة به. وهكذا ودّع شيخنا رضي الله عنه الدنيا إلى العليا. ومن الطبيعي أن يحدث صدى نبأ وفاته -حينئذ- هزة قوية بين الأوساط، وأسى عميقا في النفوس، نفوس تلاميذه وأتباعه ومحبيه، وفراغا بيّنا في حياتنا اليوم. فلقد كان الشيخ سيدي محمد بلكبير قدس روحه من أولئك القلة الذين لا يجود بهم الدهر إلا نادرا. لقد ارتحل ذلكم العالم الرباني العظيم إلى جوار ربه، بعد أن سار طويلا على طريق الحق، وبعد أن خلّف وراءه أثرا عظيما يتحدث بنفسه عن نفسه، ولا ريب أن ارتحاله أعقب فراغا جسيما في بلادنا، ولكن عزاءنا الوحيد هو وجود بقية صالحة من تلامذته من أهل العلم والفضل ينتشرون في كل أنحاء الوطن وخارجه يسيرون على نهج وخطى الشيخ الجليل.. وستظل بلادنا ترفع الرأس فخارا بهم. فرحم الله شيخنا وجزاه عنا كل خير، ورضي الله عن شيوخنا قدوتنا إلى ربنا، ونفعنا ببركاتهم آمين. وسأقوم في منتدى أبناء عين ولمان بجهد المقل للتعريف بعلمائنا الأبرار في حين أصبحنا نستورد فيه العلم من الخارج.
|